25‏/09‏/2009

حدائق ذات بهجة

أحببت أن أقتطف لكم هذه الزهرة من الحدائق التي أقرؤها بهذه الأيام.. وأتنمى أن تنال إعجابكم وتنعش إحساسكم..وتتفتح معكم..وتروا جمالها الأخاذ..

ooOO الهمه OOoo

الهمّه غليان مستمر، وهيجان صاخب، ومثابرة عارمة، إنّها قفز إلى القمة، وطيران إِلى الأعلى. الهمة قلب جيّاش، ونفس توَّاقة، وأَمل بعيد. من رزق الهمة ارتحلت به وهو مقيم، وسافرت به وهو حال. تعلّم أَن تتسابق، ولياليك تتعانق! فالبدار البدار، فقد أَفناك الليل والنهار.

الطريق الذي طوله ميل، يُقطع بخطوة، وسبقت السلحفاة الذئب، لأنها واصلت على بطء مشيتها، وهو رَكَن إلى سرعة مشيه، فوقف يلمح ظبياً.

وإِنّما أَثر الحبل في الحجرلأَنه داوم، وإِنما تخدد الجبل من الماء لأنه استمر، ومن ثبت نبت. فيا عاقلاً فهِمَ الخطاب، لا تراوحِ مكانك. الطّير قد غدا من وكناته، يطلب رزقه، والضبُّ قد انسل من جحره يبحث عن قوته، وأَنت ماذا تنتظر؟! قُم إِلى ميدان العمل، واطرد الفراغ، سابق عجلة الزمن، زاحم الجداين.

وسِر مُسرعِاً فالموت خلفك مسرعٌ ,,, وهيهات ما منه ملاذ ومهربُ

من السنن نمو الشجرة، وتفتق الزهرة، وجريان المجرة، فأَقبح بإِنسان الآخرة، وثقل نعاسه، فصار ليله كنهاره. الناس في أَشكالهم وصورهم ولحومهم ودمائهم سواء، وإِنّما اختلفوا في الهمم، فأَصبح الواحد منهم يُعد بأُلوف من الناس.

خُيِّر صلى الله عليه وسلم بين الدُّنيا والآخرة، فاختار الآخرة، ونادى: (( بل الرفيق الأَعلى)) وأَرشدنا إّلى طلب الفردوس الأَعلى، وسأَله أَبو بكر الصدِّيق: هل يدعى أَحد من أَبواب الجنة الثمانية؟ قال (( نعم، وأرجو أَن تكون منهم))،وما ذلك إِلاَّ لعلو همته، لأَنه كان من المصلين الصائمين الذاكرين المنفقين.

وكان عمر-رضي الله عنه- لا ينام من الليل إلا قليلاً، ويقول: لو نمت في النهار ضاعت رعيتي، ولو نمت بالليل ضاعت نفسي.

واشترى عثمان-رضي الله عنه- نفسه من الله مرات كثيرة.

وعُرِضَت الدُّنيا لعلي-رضي الله عنه- فرفضها، واكتفى بخبز الشعير، وقميص بالٍ.

وحج مسروق فما نام إِلاَّ ساجداً . وكان سعيد بن المسيب يأَتي المسجد قبل الأذان، وما فاتته تكبيرة الإِحرام ستين سنة.

ومن العلماء من وزَّع ليله أّثلاثاً: ثلثاً لنومه، وثلثاً لتهجده، وثلثاً لمذاكرة العلم، وأَلّف ابن عقيل الحنبلي في أَوقات فراغه كتاب: الفنون في سبعمئة مجلد، وقرأَ المزني رسالة الشافعي خمسمئة مرة. ومنهم من كرر صحيح البخاري عشرات المرات.

وكان النووي لا ينام إِلاَّ ضرورة، وعطاء بن أبي رباح طلب العلم في المسجد الحرام، ونومه فيه ثلاثين سنة.

وسافر جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- من المدينة إِلى عريش مصر شهراً كاملاً في طلب حديث واحد.

فلله در الهمم ما أعظمها وما أجلها.

أَقلوا عليهم لا أَبا لأبيكمُ ,,,, من اللوم أَو سدوا المكان الذي سدُّوا

قيل للجعلان: لماذا امتهنت هذه المهنه الحقيرة؟ قال: لسقوط همتي. وقال الحكماء: الناس بهممهم لا بأموالهم.

الأسد لا يأكل الجيف، فأَذعنت له البهائم، والخنزير يأكل القاذورات والنتن فحُرِّم لحمه. وكلب الصيد المعلم أُبيح صيده، وحرِّم صيد الجاهل.

وقالوا لحاتم: لماذا أَتلفت مالك؟ قال: طلباً للذكر الحسن. وقيل لعنترة: كيف غلبت الرجال؟ قال: بصبر ساعة.

إذا طلعَ الفجر بان الربح من الخسران، ومن قام فتهجد أصبح نشيطاً طيب النفس عامر القلب، موفور الأَجر، ومن نام الليل كله أصبحَ خبيث النفس كسلان مبخوس الثواب، ظاهر الحسرة، فما أَكثر نو الكسالى، وما عاد عليهم بصحة في الأبدان، ولا بخير في الأَديان.

صلِّ أو سبِّح أو طالع أو تفكّر أو افعل خيراً، فقد أَصبحت شمس العمر على رؤوس سعف النخل، وليس في القبر فرصة للعمل، لا مسجد للصلاة، ولا مكتبة للقراءة {وَ حيِل بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}

سرِّح الطرف في القبور كم صرع فيها من شجاع.في بطون القبولا أَسرار وأَخبار، ولسان الحال ينادي: {وّتَزَوَّدُوا فإِنَّ خَيْرَ الزَّاد التَّقْوّى واَتَّقُون يَا أُوْلِي الأّلْبَابِ}

{إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} من داخل النفس يأتي التغيير، ومن رضي فله الرضا، ومن سخِطَ فله السخط، ومن تفاءل بالخير وجده، ومن استفتح بالشر لقيه.

السعادة من النفس لأنها مشاعر وعواطف حملتها هذه النفس، فأبصرت الجانب المشرق في الحياة، والشقاء من النفس لأَنها نظرت إِلى الجانب المظلم من الحياة، حب الناس من النفس إِذا تفكرت في صفات النُبل فيهم، والوفاء والطيبة، وبغض الناس من النفس إِذا لمحت مكرهم وغدرهم، وقلة وفائهم وجحودهم.

السرور من النفس إذا أُفعمت بالأَمل والتفاؤل وحسن الظن وكريم الرجاء وانتظار الفرج والرضا بالقضاء، والحزن من النفس إذا مُلِئت باليأس والقنوط والإِحباط والفشل وسوء الظن والشر وانتظار المكوره.

من غيّر ما بنفسه من سوء فتاب وأَناب وأَقبل فُتِحَ له الباب: {وَالَّذيِنَ جَاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}

ومن نكصَ على عقبيه وأَعرض عن الله ورفض الهدى، جاءه الزيغ {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ}

من شعَرَ بِدُنو العافية من سقمه، والشفاء من مرضه، جاءته رحمة الله ورعايته، ومن تشاؤم وانتظر المكره، هجم عليه البلاء.

زار صلى الله عليه وسلم أعرابياَ به حمى، فقال له مواسياً: ((لا بأسَ طهور إِن شاء الله)). فلم يقبل هذا الأعرابي هذا الفأل الحسن، بل قال: بل حمى تفور على شيخ كبير تورده القبور، قال ((نعم إِذن)). رواه البخاري.فما دام أَراد لنفسه هذا فهذا نصيبه.

سُجِن شاعران، متفائل ومتشائم، فَأَطلاَّ من نافذة السجن، فأَمّا المتفائل فنظرَ نظرة في النجوم فضحِكَ، وأَما المتشائم فنظرَ في طين الطريق فبكى.

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ,,,, وأَخو الجهالة في الشقاوة ينعم

أنفقَ الأَعراب على عهده صلى الله عليه وسلم نفقات للجهاد، فمنهم من جعلها قربات عند الله، ومنهم يتخذها مَغرماً، فأُولئك وجدوا ثوابهم، وهؤلاء حصّلوا عقابهم، والدراهم هي هي، إنما تغيّرت لأّجل ما بأنفسهم من نيات.

إن من أعظم ما قيل في الأمثال: حياتكم من صنع أفكاركم، فما الحياة إِلاَّ حكمك على الشيء حُبا أو بغضاَ.

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ,,,, كما أن عين السخط تبدي المساويا

علِمَ الله ما في قلوب الصحابة من الإِيمان، فأنزل السكينة عليهم، وعلم مافي قلوب المنافقين فزادهم رجساَ إِلى رجسهم.اُولئك جعلوا قلوبهم منارات تتلقى نور السماء، وهؤلاء جعلوها مزابل تطرح عليها جثث الخنا.

إن الضال لا يهتدي حتى يبدأ بخطوة من نفسه، ويقبل على الهدى، ويتطلع إلى النور.(( من أَتاني يمشي أَتيته هرولة)). وإن المهتدي لا يضل حتى يبدأ هو في نية الانحراف، واعتقاد السوء.

{وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لأّسْمَعَهُمْ}

إن صاحب النعمة تدوم عليه نعمته ما لم يغيَّرها بكفران، ويبدَّلها بجحود: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِهّمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الّرِيحُ فِي يَوْمٍ عَاِصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ}

وإِنَّ النقمة باقية على صاحبها حتى يتوب من إعراضه، ويعود عن غيّضه {فّآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلى حِينٍ}

وهذه سنة ماضية. ولن تجد لسنة الله تبديلاً. صاحب الحكم من نفسه، يحكم بالحق ويعدل في القضية، فيدوم عزه، ويبقى سؤدده.{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ}

ويتغير صاحب الحكم فينسى الله، ويظلم عباده، ويجور في حكمه فينهدم كيانه، وتهتز أركانه {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} فلن يتغير شيء في ذاتك حتى تغيره أنت في نفسك.

د. عائض القرني

حدائق ذات بهجة

هناك تعليقان (2):

daloo3a يقول...

الموضوع جدا جميل و مشوق

يسلموووو وايد ^^

mese يقول...

daloo3a

شكراً حبيبتي..وإن شاء الله إنج استفدتي منه..ربي يسلمج من كل شر يآرب..